5 أسئلة تشرح لك ما الذي يحدث في تونس الآن
أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد أمس الأحد عن مجموعة من القرارات والإجراءات السياسية التي اعتبرها خصومه، والعديد من المراقبين، والمحللين أيضًا، انقلابًا دستوريًا، ومن ضمن هذه القرارات: حل الحكومة الحالية، وتولّيه السلطة التنفيذية، وتجميد أعمال البرلمان، ورفع الحصانة عن البرلمانيين. وتأتي هذه القرارات في ظلّ أزمة سياسية، واقتصادية، وصحيّة، عاصفة تشهدها تونس. في الأسطر القادمة سنحاول الإجابة عن خمسة أسئلة من أجل توضيح الوضع الذي تعيشه تونس في ظلّ قرارات الرئيس الأخيرة.
1- ما الذي حصل حتى الآن؟
شهدت تونس أمس الأحد 25 يوليو (تموز) احتجاجات، ومظاهرات، وأعمال عنف، في مناطق متفرقة من البلاد، وقد حاول متظاهرون اقتحام مقرات حركة النهضة في عدد من المدن التونسية، وجاءت هذه الاحتجاجات في البداية بمطالب اقتصادية واجتماعية، واستياء من الوضع الاقتصادي والسياسي الذي تعيشه البلاد، خصوصًا مع حالة البطالة، بالإضافة إلى الفشل الحكومي في التصدي لجائحة كورونا.
وفي ظلّ غليان الشارع اجتمع قيس سعيد بالقيادات العسكرية، وأعلن في خطاب متلفز عن قرارات استثنائية بسبب الأوضاع التي تعيشها البلاد من أعمال عنف وتخريب – حسب قوله، وجاء في خطابه أن هذه الإجراءات تتمثّل في: حل الحكومة الحالية، وتوليه السلطة التنفيذية، من خلال تعيينه حكومة جديدة، بالإضافة إلى تجميد جميع اختصاصات البرلمان، ونزع الحصانة عن جميع أعضائه، وتولّيه أيضًا رئاسة النيابة العمومية، كما قال: إن هنالك مجموعة أخرى من القرارات والمراسيم التي ستصدر فيما بعد.
وقد أدان رئيس حركة النهضة هذه القرارات التي اعتبرها انقلابًا على الدستور، ودعا عموم الشعب التونسي إلى إيقاف هذه القرارات؛ لأنها تعود بالبلاد إلى عهد ما قبل الثورة التونسية، ورئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي أدان أيضًا هذه القرارات، ووصفها بالانقلاب، ودعا إلى إفشالها، واعتبرها تأتي في إطار قرار إقليمي ودولي بإجهاض الثورة التونسية.
الاتحاد التونسي للشغل أخذ موقفًا أقرب إلى الرئيس؛ إذ دعا إلى ضمانات دستورية مرافقة للقرارات، وضرورة ضبط أهداف هذه التدابير، وتحديد مدتها؛ حتى لا تتحول إلى إجراء دائم، مع الحفاظ على الحقوق، والحريات الرئيسة، ورفضت أحزاب تونسية أخرى هذا القرار، من بينها حزب «قلب تونس» الذي اعتبره خرقًا جسيمًا للدستور، و«حزب العمال» التونسي الذي اعتبره تدشين مسار انقلابي، بالإضافة إلى «التيار الديمقراطي» الذي قال إنه يختلف مع تأويل الرئيس للفصل 80 من الدستور، بينما عبّر حزب «حركة شعب» عن تأييده لقرارات قيس سعيد.
2- ما علاقة الأزمة الصحية والاقتصادية التي تعرفها البلاد بقرارات قيس سعيد؟
تأتي خطوة قيس سعيد في سياق داخلي تونسي ملتهب؛ إذ دمرت جائحة كورونا قطاع السياحة الذي تعتمد عليه البلاد بشكل رئيس مصدرًا للنقد الأجنبي؛ إذ تراجعت مداخيل هذا القطاع من حوالي 2 مليار دولار سنة 2019، إلى حوالي 727 مليون دولار فقط عام 2020؛ وذلك بسبب غلق المطارات، وحظر الطيران بين تونس ومختلف الدول الأوروبية؛ نتيجة جائحة كورونا.
الاقتصاد التونسي يعاني كثيرًا في السنوات الأخيرة، وتشير الأرقام إلى استمرار تدهوره مؤخًرا؛ فقد عرف انكماشًا قدّر بـ9% سنة 2020، كما أن نسبة البطالة تناهز 18%، وترتفع أكثر لدى فئة الشباب لتصل إلى 30% منهم، هذا بالإضافة إلى الدين الخارجي الذي يبلغ 30 مليار يورو، وقد أدخلت هذه الوضعية الاقتصادية المتأزمة البلادَ في دوامة من الاستدانة، ليس فقط من أجل تمويل عجز الميزانية الذي يبلغ 6 مليار دولار، بل أيضًا لتسديد خدمات الديون والفوائد التي تصل إلى 4 مليارات دولار.
بالإضافة إلى أن البلاد شهدت في الأسابيع الأخيرة استفحال جائحة كورونا؛ مما أدى بالحكومة إلى إعلان انهيار النظام الصحي للبلاد، وقد سجّلت البلاد أعلى عدد وفيات في يوم واحد بسبب الجائحة السبت الماضي، والذي بلغ 317 شخصًا، وكان الوباء قد تسبب حتى بداية الأسبوع الماضي في وفاة أكثر من 17 ألف شخص من عدد سكان تونس الذي يبلغ 12 مليون نسمة فقط. وأظهرت العديد من المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا صادمة لمرضى كورونا وهم يفترشون الأرض في المستشفيات، كما أشتكى العديد من الأطباء من نقص المواد الطبية اللازمة لمواجهة الأزمة، كالأوكسجين، وغياب الأماكن الكافية.
ووسط هذه الأزمة الصحية الخانقة بقيت عملية التطعيم تسير بطريقة بطيئة وفوضوية؛ إذ لم يتلقَّ اللقاحَ سوى أقل من مليون تونسي من مجموع 11.6 مليون نسمة. الأزمة الصحية كانت مدخلًا لقيس السعيد من أجل المبادرة باتخاذ الإجراءات الاستثنائية في البلاد، فقد أعلن في 21 يوليو الماضي عن توكيل الجيش بإدارة الأزمة الصحية في البلاد، وكان رئيس الحكومة التونسي هشام المشيشي (الذي أقاله قيس سعيد بقراره الأخير) على جانب آخر قد أقال في نفس اليوم وزير الصحة فوزي مهدي من منصبه وسط تبادل اتهامات فيما يتعلق بالوضع الذي وصلت إليه الأجهزة الصحية أمام تفشي وباء كورونا.
3- هل تسمح المادة 80 من الدستور لقيس سعيد بالإجراءت الأخيرة حقًا؟
«كيف يمكن أن يكون الانقلاب بناءً على نص دستوري؟» بهذه الكلمات أجاب الرئيس قيس سعيد على الاتهامات الموجّهة إليه بالانقلاب، وجاء في تصريح له أنها تأتي في إطار الصلاحيات التي يخوّلها له الدستور في مادته 80. وقد ثار جدل كبير حول هذه المادة، ورأى المعترضون على هذه الإجراءات أن قيس سعيد أساء تفسير هذه المادة من أجل السيطرة على جميع مفاصل السلطة والاستيلاء على كل الصلاحيات في الدولة.
وتنصّ المادة 80 من الدستور التونسي أن لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن «أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية»، ولكنها تشترط على الرئيس استشارة كل من رئيس البرلمان، ورئيس الحكومة، وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، وهو ما جعل المعترضين على قرارات سعيّد يصفونها بالانقلاب على الدستور؛ لعدم التزامه بجميع حيثيات المادّة.
وفي حين يؤكد الرئيس سعيّد أنه استشار كلًا من راشد الغنوشي رئيس البرلمان عن طريق الهاتف، ورئيس الحكومة المُعفى هشام المشيشي عن طريق لقاء مباشر، فإن الغنوشي أكد أنه لم يُسشتر حول تطبيق المادة 80.
كما أن المادة 80 تنصّ على أن البرلمان يبقى في حالة انعقاد دائم، ويُمنع الرئيس من حلّه في هذه الفترة الاستثنائية، لكن الرئيس كان قد أعلن تجميد جميع نشاطات البرلمان – من أجل تفادي حلّه – كما أعلن رفع الحصانة عن جميع أعضاء البرلمان دفعة واحدة، وهو ما يعتبره معارضوه عرقلة لعمل البرلمان، وتعطيلًا فعليًا لفعالياته، ناهيك على أنه انتهاك لمبدأ الفصل بين السلطات.
وأثار هذا «الانقلاب» إشكالية قانونية تشهدها الدولة التونسية، وهي غياب المحكمة الدستورية التي من شأنها تفسير القوانين، ولعب دور الحكم بين مختلف السلطات وأجهزة الدولة، ويرى البعض أن رفض قيس سعيد لإنشاء هذه المحكمة قد يدخل في إطار تمهيده لهذا الانقلاب الدستوري؛ كي يظل وحده المفسّر للنصوص الدستورية.
4- كيف يفكر قيس سعيد؟
منذ حملته الانتخابية في خريف سنة 2019 أثار قيس سعيد إعجاب الكثيرين بسبب لغته الفصحى، وأسلوبه اللبق في الكلام، في حين وصفه آخرون بالشعبوية، ودغدغة مشاعر الناخبين بالتركيز على الخطاب أكثر من البرامج المبنية على أرقام وإحصائيات دقيقة.
وفي الوقت الذي قاد حملة انتخابية شارك فيها الشباب والجامعيون بإمكانات مادية شبه معدومة، مقابل منافسه الانتخابي رجل الأعمال الثري نبيل القروي؛ كانت هنالك قلة تحذّر من موقف قيس سعيد من النظام الدستوري التونسي؛ إذ دعا في حملته الانتخابية إلى إعادة النظر في طريقة انتخاب البرلمان، والتقسيم الإداري للدولة بالاعتماد بشكل أكبر على المجالس المحليّة، والقرب من المواطن البسيط، بعيدًا عن الحياة الحزبية بتعقيداتها ومصالحها.
في تصوّر قيس سعيد، فإن الدولة تسيطر عليها ما يسميها «لوبيهات» المال الفاسد، ويؤكد أنصاره على أن «منظومة الحكم» المتشكلة من الأحزاب، والبرلمان، والشخصيات السياسية التقليدية، هي التي تعرقل قراراته، وتحدّ من صلاحياته، وبالتالي ينبغي إزاحتها من الطريق من أجل مصلحة رجل الشارع البسيط.
أستاذ القانون الدستوري الذي بنى شعبيته على تحليلاته للمواد الدستورية في التلفزيونات التونسية، سرعان ما ضاق ذرعًا بالدستور بعد وصوله إلى السلطة، ودخل في خصومات مع الحكومة والبرلمان، وأكد قيس سعيد في خرجاته الإعلامية، وخطبه، وحتى لقاءاته المتلفزة مع خصومه السياسيين داخل الدولة، بأنه «مضطر» لاتخاذ إجراءات استثنائية، وأنه قد «صبر كثيرًا» وحاول إيجاد حلول، والتوافق مع الأطراف الأخرى، ولكنهم يرفضون التعاون.
وثيقة الانقلاب المسربة من موقع «ميدل إيست آي»
ومنذ اندلاع الأزمة بين النهضة وقيس سعيد حول «حكومة الفخفاخ» التي سحبت منها «حركة النهضة» الثقة، ثم تزكية قيس سعيد لهشام المشيشي رئيسًا للحكومة، ثم التنازع معه على الصلاحيات، كان الرئيس سعيد يؤكد في كل مرة أن البلاد تعيش أزمة، وأنها تتطلب إجراءات استثنائية، مع عدم توضيح طبيعة هذه الإجراءات التي ينتويها، إلى أن سرّبت صحيفة «ميدل إيست آي» في شهر مايو (أيار) الماضي «وثيقة الانقلاب» من مكتب رئيس الجمهورية، والتي تحتوي على تفاصيل حول الإجراءات التي سيتخذها الرئيس بإعلان المادة 80، لكن الرئاسة حينها نفت صحّة هذه الوثيقة، والتي تطابقت أجزاء كبيرة منها مع القرارات الأخيرة لقيس سعيد.
5- إلى أين تتجه الأمور؟
وبعد إعلان قيس سعيد عن الإجراءات الاستثنائية، خرجت مجموعة من المواطنين المؤيدين لقيس سعيد يحتفلون في عدة مدن حاملين الأعلام التونسية، فيما توجّه رئيس البرلمان راشد الغنوشي فجر اليوم رفقة مجموعة من البرلمانيين إلى مقر البرلمان، حيث مُنعوا من الدخول من طرف قوات من الجيش، وأعلنت قناة «الجزيرة» و«العربي» عن اقتحام مقراتهم من طرف قوات الأمن التونسي وطرد جميع العاملين فيه.
وقد أعلن قيس سعيد تكليف مدير الأمن الرئاسي خالد اليحياوي بالإشراف على وزارة الداخلية، فيما جرى إعفاء كل من رئيس الحكومة هشام المشيشي، ووزير الدفاع إبراهيم البرتاجي، وحسناء بن سليمان وزير العدل، في حين لم تُعرف بعد معالم الحكومة الجديدة، أو من سيتولّى رئاستها، ويشهد مقر الحكومة انتشارًا للقوات العسكرية، التي حظرت الحركة أمام المبنى، بينما عرف البرلمان تجمّعات لمؤيدي ومعارضي قرارات قيس سعيد، وسط انتشار أمني كثي.
المصدر من هنا